#1
|
|||||||||
|
|||||||||
التوحيد والاتِّباع سبيل الوحدة والاجتماع
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على مَن أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد: فإنَّ الأُخُوَّةَ الإيمانيَّة قد عَقَدَها اللهُ ورَبَطَها أَتَمَّ ربطٍ بعقيدةِ التوحيد الذي هو الغايةُ مِنْ إيجادِ الخَلْقِ وإرسالِ الرُّسُلِ وإنزالِ الكُتُب، وهو دعوةُ المُجدِّدين في كُلِّ عصرٍ وزمانٍ؛ إِذْ لا تخلو الأرضُ مِنْ قائمٍ لله بالحجَّة؛ فلا تنقطع دعوةُ الحقِّ عن هذه الأمَّةِ مِنَ العهد النبويِّ إلى قيام الساعة، و«لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الحَقِّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ»(1)، ومَزِيَّةُ أَهْلِها أنهم معروفون بمَواقِفِهم في كُلِّ جيلٍ ببيانِ التوحيد والتحذيرِ مِنَ الشرك بمُخْتَلَفِ مَظاهِرِه، وبيانِ السنَّة مِنَ البدعة، ونصرةِ أهل الحقِّ والعلمِ وتكثيرِ سَوادِهم، ونَبْذِ أهل الشرك والبِدَعِ وإذلالهم، لا يمنعهم تفرُّقُ الناسِ عنهم أَنْ يُؤْتَمَرَ بهم فيما يأمرون به مِنْ طاعة الله تعالى وما يَدْعون إليه مِنْ دِينٍ ويفعلونه ممَّا يُحِبُّه اللهُ تعالى؛ إذ الحكمةُ ضالَّةُ المؤمن؛ فحيث وَجَدَها فهو أَحَقُّ بها، ولا ينتصرون لشخصٍ انتصارًا مطلقًا سوى رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ولا لطائفةٍ إلَّا للصحابة رضوانُ الله عليهم، مع تركِ الخوضِ فيهم بمُنْكَرٍ مِنَ القول، والتنزُّهِ عن الكلام في واحدٍ مِنَ الصحابة بسوءٍ؛ فأهلُ هذا الموقفِ مُتَّفِقون على أنَّ كُلَّ واحدٍ يُؤْخَذُ مِنْ قولِه ويُتْرَكُ إلَّا رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ولم يَقَعْ منهم ـ بحمد الله ـ اتِّفاقٌ على ضلالةٍ؛ فهذه مِنْ سِمَاتِ أهلِ الحقِّ ومَلامِحِ الفِرْقةِ الناجية خصَّ اللهُ بها أَهْلَ السنَّة: يَدْعون إلى إصلاحٍ غيرِ مُبْتَكَرٍ مِنْ عندِ أَنْفُسِهم كما هو شأنُ منهجِ أهلِ الزَّيغ والضلال؛ ذلك لأنَّ منهج الإصلاحِ واحدٌ لا يقبل التعدُّدَ، يتبلورُ حُسْنُه بإحياءِ الدِّين وتجديدِه مِنَ العوالق والعوائق التي ليسَتْ منه، مِنْ غيرِ أَنْ يَعْتَرِيَهُ تبديلٌ ولا تغييرٌ؛ فالدِّينُ محفوظٌ، والحُجَّةُ قائمةٌ، وما رَسَمَهُ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم هو عينُ المنهج الإصلاحيِّ، ولا يتمُّ لنا إصلاحٌ إلَّا به، وقد سَلَكه أهلُ القرونِ المفضَّلة، وآثارُهم محفوظةٌ عند العُلَماء، ولن يَصْلُحَ آخِرُ هذه الأمَّةِ إلَّا بما صَلَحَ به أوَّلُها. هذا، واجتـماعُ الأمَّةِ على الضلال مُحالٌ، وظهورُ سبيلِ الحقِّ ـ هدايةً وإصلاحًا وتقويمًا ـ مقطوعٌ به، ودوامُ ثباتِه آكِدٌ ومُحَقَّقٌ لا مَحالةَ، (وَعدَ الصِّدقِ الَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ 16) [الأحقاف]، لا يَضُرُّهُ ما يَعْلَقُ به مِنْ بَرَاثِنَ حاقدةٍ ومَخالِبَ حانقةٍ تَتجاهلُ عِزَّه ومَفاخِرَه، ولا تُريدُ سوى أَنْ تَصُدَّهُ وتعوقَ مَسيرتَه وتَحُدَّ انتشارَه، وصمودُهُ بَاقٍ يتحدَّى المُكابِرين والحاقدين والجاهلين، واللهُ الهادي إلى سواءِ السبيل. ومَرَدُّ السبيلِ إلى طاعةِ الله وطاعةِ رسوله الباعثةِ على فِعْلِ الخيرات، والنفرةِ مِنَ الشرور والمَفاسِدِ والمُنْكَرات، تلك الطاعةُ المُزَكِّيةُ للنفسِ والمُكمِّلةُ لها، الجالبةُ لسعادتِها في الدنيا والآخِرَة، (قَد أَفلَحَ مَن تَزَكَّى 14 وَذَكَرَ اسمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) 15 [الشمس]، وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنعَمَ اللَّهُ عَلَيهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ? وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقا 69 ذَلِكَ الفَضلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيما 70) [النساء]. وأهلُ الإيمانِ في وَحْدةِ عقيدتِهم ونُظُمِهم أمَّةٌ مُتميِّزةٌ لا نظيرَ لهم بين الأُمَم، وشريعتُهم لا يَقْتصِرُ نَفْعُها على أمَّةِ الإسلام، وإنَّما هي عامَّةٌ للبشرية جَمْعاءَ، صالحةٌ ومُصْلِحةٌ لكُلِّ زمانٍ ومكانٍ، شاملةٌ لكُلِّ قضايَا الحياة؛ فلا تخلو مُعْضِلةٌ عن استنباطِ حَلٍّ لها مِنْ أدلَّةِ التشريعِ والقواعدِ العامَّةِ غيرَ مُفْتَقِرةٍ إلى غيرِها؛ فهي مُسْتَغْنِيَةٌ عن النُّظُمِ والتقنيناتِ الأخرى؛ ذلك لأنها أُسِّسَتْ على قواعدَ مُحْكَمَةٍ، وبُنِيَتْ أحكامُها على العدالة والاعتدالِ مِنْ غيرِ إفراطٍ ولا تفريطٍ، مُراعِيَةً في ذلك مَصالِحَ الدِّينِ والدنيا؛ فهي تَسْمو باستقلالها عن غيرِها مِنْ نُظُمِ البشر في أصولها وفروعها، تلك هي النعمةُ التي أَتَمَّها اللهُ تعالى على هذه الأمَّةِ وأَكْمَلَ بها لها دِينَها، قال تعالى: ليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُم وَأَتممَمتُ عَلَيكُم? نِعمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسلَامَ دِينا) [المائـدة: 3]؛ فكمالُ هذا الدِّينِ وتمامُه قاضٍ بالاستغناءِ التامِّ عن زياداتِ المُبْتَدِعين واستدراكاتِ المُسْتَدْرِكين. وأهلُ الإيمان ـ في وحدةِ عقيدتهم ونُظُمِهم ـ يعلمون أنَّ مَنْصِبَ الإمامِ الأَعْظَمِ ضروريٌّ في نظامِ الدِّين والدنيا لا سبيلَ إلى تَرْكِه، وأنَّ كِلَا النِّظامَيْن لا يَسْتغني أحَدُهما عن الآخَرِ؛ فنظامُ الدنيا ضروريٌّ في نظام الدِّين، ونظامُ الدِّين ضروريٌّ في الفوز بسعادةِ الآخرة؛ لذلك كان مِنْ أَعْظَمِ واجباتِ الإمام الأَعْظَمِ سياسةُ الناسِ وَفْقَ شَرْعِ اللهِ وأَمْرِه؛ فهي أمانةٌ مُلْقاةٌ على عاتِقِ الإمام الأعظمِ للقيام بها في هذه الأمَّةِ وتحقيقِ كافَّةِ مُتَطلَّباتِ ما تَنْشُدُه الرعيَّةُ المسلمة في هذه الحياةِ مِنْ حِفْظِ الدِّينِ والتوحيدِ والشريعة، وإزالةِ الظلم وإقامةِ العدل بتحكيمِ شَرْعِ الله، وتحقيقِ الأمنِ وسياسةِ الدنيا، وغيرِها مِنَ المَطالِبِ الشرعية؛ عملًا بقوله تعالى: (وَمَن أَحسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكما لِّقَوم يُوقِنُونَ 50) [المائدة]، وقولِه تعالى: ( الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41)َ [الحج]. وبالمُقابِلِ فإنَّ على الرعيَّةِ واجباتٍ تُؤدِّيها تُجاهَ الإمامِ الأعظمِ منها: طاعتُه في المعروف، وبَذْلُ النصحِ له، وإكرامُه والدعاءُ له، واستئذانُه، والصبرُ على جَوْرِه، وعدَمُ الخروجِ عليه، ونحوُ ذلك مِنْ حقوقِ الإمام الأَعْظَمِ على رعيَّته. هذا، وفي خِضَمِّ المُعْتَرَكِ الدعويِّ، فإنَّ أَعَزَّ ما يُقدِّمُه الداعي لأمَّتِه أَنْ يَسْلُكَ بها السبيلَ الأَسْلَمَ الذي يُحقِّقُ به مَعْنَى التغيير، ( إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَومٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِم) [الرعد: 11]، دون عَجَلةٍ مُورِّطةٍ في الفساد والإفساد. والعلمُ عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا. الصـادر في العـدد الثالث من مـجلة منابر الهدى في محرم / صفر 1422 هـ. (1) أخرجه مسلمٌ بهذا اللفظِ في «الإمارة» (1920) مِنْ حديثِ ثوبان مولى رسول الله رضي الله عنه، وبألفاظٍ أُخَرَ مِنْ حديثِ غيرِه، وأخرجه البخاريُّ في «الاعتصام بالكتاب والسنَّة» بابُ قولِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الحَقِّ» يُقاتِلون وهُمْ أهلُ العلم(7311) مِنْ حديثِ المُغيرةِ بنِ شُعْبةَ رضي الله عنه، ولفظُه: «لَا يَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ». الموضوع الأصلي: التوحيد والاتِّباع سبيل الوحدة والاجتماع || الكاتب: طيبة || المصدر: منتدى اسلامي مفيد
|
![]() |
#2 |
![]() |
![]()
حقاً تستحق التقدير على هذا المجهود الرائع والكبير
موضوع جميل جداً استمتعت به ننتظر منك المزيد من الابداع اتمنى لك السعاده والتوفيق.. |
![]() |
![]() |
#3 |
![]() ![]() ![]() ![]() |
![]()
جزاك المولى الجنه
وكتب الله لك اجر هذه الحروف كجبل احد حسنات وجعله المولى شاهداً لك لا عليك لاعدمنا روعتك ولك احترامي وتقديري |
![]() |
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
انواع عرض الموضوع | تقييم هذا الموضوع |
|
|
Rss منتدى، اسلامي ، مفيد، موقع ، منتديات Rss 2.0 منتدى، اسلامي ، مفيد، موقع ، منتديات Html منتدى، اسلامي ، مفيد، موقع ، منتديات Xml منتدى، اسلامي ، مفيد، موقع ، منتديات Sitemap منتدى، اسلامي ، مفيد، موقع ، منتديات sitemap منتدى، اسلامي ، مفيد، موقع ، منتديات sitemap 2
|